ولهذا يجب على مفكرينا الحذر كل الحذر من كبيرة تقديس الرأي ، لأنه السبب الأساسي في التفرقة ، وفي تكريس الحزبيات الضيقة ، وفي التدابر والتباغض وكل آفات الإعجاب بالنفس وكل فتننا الإجتماعية والداخلية ..
فالقرآن وحده المقدس والرسول صلى الله عليه وسلم هو وحده الذي لا ينطق عن الهوى ..
وكل رأي إنما هو أطروحة فقط من مفكر ، ومن حقه الدفاع عنها وإقناع الآخرين بها ، لكن أن يفرض اجتهاده بأي لون من الألوان فتلك هي الفتنة ، وأولئك هم علماؤها..
بل وآراء العلماء الفطاحلة هي التي تتكامل وتتوافق إسلاميا ، بل وترد على من يخالفها بكل علمية ، ولهذا كان الإجماع تشريع للأمة ، ولم يكن أي من المذاهب الفقهية ملزما للأمة كلها ولا أية مدرسة فكرية ...
...................................................
وعلى من يخالف السياسة الرسمية لأية دولة مقترحين إثنين :
1 ـــ طرح أطروحاته الإصلاحية على أولي الأمر مباشرة دون ما حاجة إلى تقديسها ، أو فتنة العامة بإنزالها للقاعدة ، والسعي للتسلق بها ..
وذلك عبر قنوات الدواوين الرئاسية او الملكية أو وزارات الشؤون الإسلامية ..
ودوما بالتي هي أحسن ودون غلظة ، لأن النصح لأولي الأمر واجب على علماء الأمة لكن بكل حسنى :
فإنكار المنكر يجب أن يكون بمعروف لا بمنكر ..
2 ـــ إنزالها للقاعدة إن كانت ستساهم في توعية وتثقيف وتربية الشعب والرفع من مستواه دون فتنة ..
ومع الحذر الكبير من كل مشاكل التنزيل ، لأن هناك من سيستغل أطروحاته وربما تكثله بعده ، أو يفرغها من كل مبادئها كما حالنا اليوم مع العديد من منظماتنا السياسية ..
مما يلزمنا بدراسات حقا أكاديمية ومستقبلية لأي مشروع سياسي أو إجتماعي مقترح ، والتأكد الكبير من مدى جديته وجدته :
فإن كانت هناك أطروحات مماثلة قد سبقت للساحة فيجب السعي إلى التكامل معها ، لا إلى منافستها كما حال العديد من الحركات والأحزاب التي ومهما تبنت الواقعية في العمل ، والمصلحة العامة كمبدإ ، فإنها قد كرست التحزب الأناني بين المنتمين إليها ..
والذين ليسوا كلهم على بياض نية ..
كما قضت ومنذ الإنطلاق على وحدوية البديل ، رغم إدعائها كلها للمذهبية الإسلامية ..
وذلك لإنعدام تكاملها وشموليتها ، بل وعدم علميتها كذلك..
وفي كلا الحالتين فإن أولي الأمر ووزارات الشؤون الإسلامية هم المسؤولون على فتح مثل هاته القنوات وتشجيع الدراسات الأكاديمية لأي مشروع إصلاحي ..
لأن أي مفكر ومهما أوتي من نبوغ لايستطيع وحده الوفاء ببديل أمة على مستوى أمتنا ، ولا في مستوى سماوات ديننا ..
وخصوصا وأننا في عالم أصبح كقرية صغيرة ، وعيون الإمبريالية المهيمنة فيه تتربص ، ولا تنام ..
وتتشابك فيه كذلك ملايين العلوم والمعلومات ، وتتداخل فيه كل الأنظمة ..
وما من حركة تسعى للعالمية إلا درستها العصابات العالمية بإفاضة ، ووضعت أمامها كل العوائق ، في الوقت الذي نريد فيه رفع راية الإسلام بشعارات بعيدة كل البعد عنها كعدو حقيقي ، وضد أنظمتنا وشعوبنا وللأسف ..
بل وبكل ترجل ، وعن سوء نية ، ومهما حسنت ..
وهذا الموقف الإنتحاري منا لايشك أحد في رضى هاته العصابات الصهيوماسونية عنه ، بل وفي يدها الطولى لتعميقه..:
فترفع بغربها شعارات الأمن والإستقرار والسلام ، لكنها لايخجل في أن تمد كل الحركات الإنفصالية والطائفية والثورية في عالمنا الإسلامي والعربي بكل الوقود ..
بل ولا تخجل في استخدام الحركات الإسلاموية والتسلفية وكذا بعض الزوايا الصوفية كقنابل هدم ، وكأوراق ضاغطة على أنظمتنا المسلمة ..
وذاك لضمان زعامتها مستقبلا ، ولتزيد من تعميق هزيمتنا وإنحطاطنا على كل الواجهات ، وفي كل المجالات ، ومهما برقت مساعداتها الإقتصادية الربوية ، وحيلها الخيرية والإصلاحوية ..
...........
ولهذا فإن التنظير للمذهبية الإسلامية يعد من الخطورة بمكان ولعدة حيثيات منها :
-- عالميته وكثرة أعدائه
-- كثرة المتطفلين عليه ومستغليه ..
ولإن أسلوب الإصلاح يبدأ أولا بنفس المفكر المصلح،كما قال الله تعالى : إن الله لايغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم : الرعد 11
ـــ فمفكر بنفس أمارة بالسوء عالم فتنة ودمار
ـــ ومفكر بنفس لوامة وإن كان مخلصا فستبقى آراؤه غير حكيمة
ـــ وليبقى الأمل في ذلك المصلح الرباني المطمئن النفس الشفاف الروح الراجح العقل ، وقد احتوى قلبه الرحمة والخير والمحبة لكل المسلمين بل ولكل الناس ، فلا يسعى لفتنة أو تنطع ، ولا يسعى لحرب إلا دفاعا أو لضرورة شرعية .
فلا شك في أن وسيلته إذاك ستكون ربانية الجوهر سليمة اللب بعيدة الغايات ، يفيض خيرها حتى على الكافر كما هي حقيقة الإسلام.
فذاك هو الأمل المأمول ، وإن كانت هاته صفات المهدي المنتظر عليه السلام وقد انشطر اليوم علماؤنا بين :
ـــ علماء رسميون يملي السياسي لهم الإجتهاد
ـــ علماء فتنة تملي الطموحات لهم التحركات
ـــ علماء لارأي سياسي لهم
ـــ علماء يقدمون النصيحة بكل برودة
ـــ علماء ومفكرين تسجن كتبهم المكتبات إن طبعت
ـــ أنصاف علماء متموقفين من كل من سواهم
وهكذا نلمس جليا مدى افتقار الإجتهاد الحركي للحكمة السياسية ولسياسة الحكمة معا ..
وذاك لأن العديد منا يتشبتون بالأحادية في المواضيع التي تحتمل عدة إجتهادات ، وبالأحادية في الموقف ، مناهضين لكل من يخالفهم الرأي بكل ثورة ، ولحد التكفير وكل أمراض الأنا والفتن : حتى أن من جماعاتنا التي تدعي السنية تسمى ب: جماعة التكفير والهجرة ؟.
مما يبرز ضيق الأفق ، وكل أمراض الإنتصار للرأي ، بل وتعمد التطرف وكل المواقف المتنطعة ، والآراء الأحادية ..
في الوقت الذي نرى فيه قيام القيامة في أوربا لدراسة ظاهرة من الظواهر ـ كجنون البقر مثلا ـ فتقوم بحوث معمقة وندوات ودراسات لحد تشكيل لجن وأكاديميات دولية لإيجاد حلول لها ، نجد بعض أدعياء الإصلاح لايتعب نفسه بالتفكير مليا في موضوع اجتهاده ، ويبدي رأيه ، بل ويتشبت به ، ومهما إفتقر أفقه ،وكأن الأمر بسيط وليس إشكالية أمة في عالم أصبح كقرية صغيرة ، وفي عالم يحاول فيها الآخر أن يبقى دوما هو المسيطر ، ولو بتدمير كل العالم الإسلامي..
ونحن تائهون بين حركة فلان وجماعة علان ..
وحركات كلها تشردم وفتن ..
ودون مشروع حضاري ولا وحدوي جامع ...:
والذي لن يتم دون دراسات حقا علمية ، وحقا أكاديمية. وحقا إسلامية .