السبت، 12 يناير 2013

مقدمة:



بإسمك اللهم :

منذ عقود قامت الحكومة الإسرائيلية بجمع أكثر من ثلاتين باحثا في جميع الإختصاصات بمجمع علمي ، وبحث كل منهم في ميدانه لمدة عامين ليجيب عن سؤال : كيف ستصير إسرائيل في سنة 2020م .. 
وجمعت النتائج في مجلدات تساعد الإسرائيليين منذ مدة في أخذ كل قراراتهم .. 
مما يومئ لمدى الإهتمام اليهودي الكبير بدراسة أي من مشاريعهم مستقبليا وأكاديميا ، وضدنا ، في الوقت الذي نترك فيه قراراتنا الإسلامية الكبرى للآراء الأحادية ، والبعيدة أحيانا عن أي منطق ..
ولهذا وجب الإعتناء بمدى القيام بدراسات أكاديمية عميقة، وعلى المدى الطويل للعديد من خطوات حركياتنا الإصلاحية وكل آفاقها ، ولمدى إتفاق هاته الخطوات مع لب المناهج الإسلامية الحقة ،  وإلا سيبقى كل منا ينزل بآرائه الأحادية للساحة السياسية كما حالنا اليوم ، والعديد من حركاتنا  مبرمجة بفكر أحادي رافض لأي حوار أو نقاش. 
بل وليصير الهم الأكبر لجل تكثلاتنا هو تكثير السواد ، ولو بشعارات فضفاضة وكاذبة ..
 ومهما عمقت بيننا من فتن ومقالب ، وأدكت بيننا من حروب طائفية وأهلية ...
مما جعلنا بحق نعطي صورة ظلامية عن تديننا ، رغم أن ديننا سامي وحنيف ، ومن كل هاته الظلمات براء ..

آفة الآراء الأحادية


إن التشبت بالرأي الأحادي لدى أي كان يعد مظهرا من مظاهر الأمراض النفسية ، والتي أصابت العديد من الحركيين كـ :  الإعجاب بالذات والهنجعية والتكبر والأنانية ..و.. 
وللحد الذي صار فيه كل منا يفرض آراءه كأوامر لاتناقش ..
 مما أدخل عملنا الحركي كهوف التموقفات الحاقدة منذ انطلاقاته الأولى وكل يدعي أن اجتهاده هو الأصوب ، ولامجال في بديله للحوار ، فصار المسؤول يحتقر المعارض ، والمعارض يفسق المسؤول .. 
وكل يصف الآخر بالقصور وضيق الأفق ، وبعدم الإلمام العلمي بالواقع ، وبالجهل بكل جوانب المشكل .. 
في الوقت الذي لايحق لأي كان فرض رأيه ، لأن الرأي في الإسلام رأي جماعي وإلا نكون قد هدمنا أهم أسس بل وإسم : الحكم بما أنزل الله : والذي هو : الشورى، مصداقا لقوله تعالى : وأمرهم شورى بينهم . الشورى 38 .
فالإجتهاد في الإسلام يلزم المجتهد أن يراعي الرأي الآخر، وخصوصا الرأي المعارض حتى أننا نجد بعض أفاضل المجتهدين في فقهنا الإسلامي لايختمون بحوثهم قبل تصورات عديدة للآراء المعارضة حتى أننا كثيرا ما نقرأ جملا لهم كقول : ونرد على من يخالفنا ويقول كذا.. بكذا....
............................................ 
فمن الآفات الخطيرة التي ابتلي بها عصرنا الحديث إسلاميا أحادية الزعامة هاته : 
حيث ينتقد المفكر النظام القائم بمجموعة قناعات ، وعوض أن يشير بها كنصائح على النظام ، أو يناقشها كوصايا مع المختصين، نراه ينزل بها كشعارات سياسية للقاعدة ، فيركز على الأميين والطبقات الكادحة ، وعلى كل المتحمسين للأفكار الثورية ..
 فيشحنهم في قالبه كأتباع سذج محرما كل ما دونه من حركات ، ليكثر سواده ويفرض حزبه على النظام ، بعد أن صار كل همه التحكم والتسلط ، ولو بضيق أفق ..
فتسوقه مسيرته التسلقية هاته إلى التأقلم مع النظام نفسه ، متنكرا لجل مبادئه الأولى ، بل ولكل برامجه ومشاريعه ، حتى يضمن إستمراره ووجوده كما حال كل أحزابنا اليوم  . 
السلم الذي ارتقته وللأسف الأحزاب العلمانية ثم الإسلامية وهي تصل للسلطة ..
والطامة أنه ما أن وصل العديد من الإسلامويين إلى مركز القرار حتى وجدوا أنفسهم غرقى في مواضيع لايسعها علمهم ، وتحتاج إلى خبراء ومختصين وفقهاء سياسة ، ولمستوى جد راق علميا ، ولوعي جد واسع وكبير كذلك ..
وكل هذا آسفنا ولا يزال يأسفنا ومعظم أحزابنا مبنية على المواقف والشعارات - دون رِؤيا حضارية شاملة كما هي المذاهب الكبرى : الليبرالية والإشتراكية وغيرهما ، مما جعلها أحزاب تكثلات لا غير ، بل ولاطائل من وراءها ، وخصوصا وأنها بإسم المذهبية الإسلامية التي يدعو العمل داخلها إلى العديد من الصفات العالية ، لأنها مقدسة وبإسم الرب سبحانه وتعالى :
 وإخلاص النية وعمق الإجتهاد وحكمة المنهاج فيها واجبة ،  وخصوصا وأنها محاربة من العديد من المعسكرات والمنابر والمؤسسات ، وفي شتى المجالات ، وبميزانيات فوق الخيال .. 
فلا مكان إذن في الإجتهاد الإسلامي الحق للتسلق ولا للأحادية المنغلقة ، ولا للحزبية الضيقة ، وكلا يؤخذ من رأيه ويرد إلا الرسول صلوات الله عليه ..
 وأصاب من قال : رأيي صواب ويحتمل الخطأ ، ورأيك خاطئ ويحتمل الصواب .
لكننا سقطنا وللأسف في كل سيئات قوله تعالى : كل حزب بما لديهم فرحون . الروم 32
 مما يدعونا للتوبة من كل هاته الكبائر الإجتماعية والسياسية ، والرجوع لمبادئ شورانا السميكة التي أول من يقودها أولوا الحل والعقد والمختصون ، لا من هب ودب ، والتي يعد الحوار الفقهي والعلمي من  أول شروطها  ..
 الحوار الذي من أهم آدابه :
ــ حسن الإستماع 
ـ حسن الفهم 
ـ حسن الرد والتعبير 
ـ توسيع موضوع الحوار 
ـ تضييق نقط الخلاف 
ــ الختام بتوافق عملي إن أمكن ..
وبهدا نكون قد وفرنا أول أسس التوافق، والذي لن يكتمل إلا بربطه باختصاصاته وعلومه بعد التأكد إسلاميا من تعانقه والقرآن الكريم وكذا السنة الشريفة ..
 الأمر الذي يولج الإجتهاد الإسلامي في أي مجال ..
بل ويجعل من الإسلام وحده البديل المستقبلي الشامل ..
 فليس هناك موضوع لا رأي للفهم الإسلامي فيه إما بتجويز أو تحليل أو تحريم أو تفنيد أو إضافة ..أو..
لكن ورغم غزارة وشساعة العلوم والفقهيات الإسلامية هاته ، فإن رأي الفقيه غير كاف في الكثير من المواضيع ، وغير حاسم لوحده في العديد من المجالات...:

لماذا أكاديمية ؟


ولهذا يجب على مفكرينا الحذر كل الحذر من كبيرة تقديس الرأي ، لأنه السبب الأساسي في التفرقة ، وفي تكريس الحزبيات الضيقة ، وفي التدابر والتباغض وكل آفات الإعجاب بالنفس وكل فتننا الإجتماعية والداخلية  ..
فالقرآن وحده المقدس والرسول صلى الله عليه وسلم هو وحده الذي لا ينطق عن الهوى ..
وكل رأي إنما هو أطروحة فقط من مفكر ، ومن حقه الدفاع عنها وإقناع الآخرين بها ، لكن أن يفرض اجتهاده بأي لون من الألوان فتلك هي الفتنة ، وأولئك هم علماؤها..
بل وآراء العلماء الفطاحلة هي التي تتكامل وتتوافق إسلاميا ، بل وترد على من يخالفها بكل علمية ، ولهذا كان الإجماع تشريع للأمة ، ولم يكن أي من المذاهب الفقهية ملزما للأمة كلها ولا أية مدرسة فكرية ...
...................................................
وعلى من يخالف السياسة الرسمية لأية دولة مقترحين إثنين :
1 ـــ طرح أطروحاته الإصلاحية على أولي الأمر مباشرة دون ما حاجة إلى تقديسها ، أو فتنة العامة بإنزالها للقاعدة ، والسعي للتسلق بها  ..
وذلك عبر قنوات الدواوين الرئاسية او الملكية أو وزارات الشؤون الإسلامية ..
ودوما بالتي هي أحسن ودون غلظة ، لأن النصح لأولي الأمر واجب على علماء الأمة لكن بكل حسنى :
 فإنكار المنكر يجب أن يكون بمعروف لا بمنكر ..
2 ـــ إنزالها للقاعدة إن كانت ستساهم في توعية وتثقيف وتربية الشعب والرفع من مستواه دون فتنة ..
 ومع الحذر الكبير من كل مشاكل التنزيل ، لأن هناك من سيستغل أطروحاته وربما تكثله بعده ، أو يفرغها من كل مبادئها كما حالنا اليوم مع العديد من منظماتنا السياسية ..
مما يلزمنا بدراسات حقا أكاديمية ومستقبلية لأي مشروع سياسي أو إجتماعي مقترح ، والتأكد الكبير من مدى جديته وجدته :
 فإن كانت هناك أطروحات مماثلة قد سبقت للساحة فيجب السعي إلى التكامل معها ، لا إلى منافستها كما حال العديد من الحركات والأحزاب التي ومهما تبنت الواقعية في العمل ، والمصلحة العامة كمبدإ ، فإنها قد كرست التحزب الأناني بين المنتمين إليها ..
والذين ليسوا كلهم على بياض نية ..
كما قضت ومنذ الإنطلاق على وحدوية البديل ، رغم إدعائها كلها للمذهبية الإسلامية ..
وذلك لإنعدام تكاملها وشموليتها ، بل وعدم علميتها كذلك..
وفي كلا الحالتين فإن أولي الأمر ووزارات الشؤون الإسلامية هم المسؤولون على فتح مثل هاته القنوات وتشجيع الدراسات الأكاديمية لأي مشروع إصلاحي ..
لأن أي مفكر ومهما أوتي من نبوغ لايستطيع وحده الوفاء ببديل أمة على مستوى أمتنا ، ولا في مستوى سماوات ديننا .. 
وخصوصا وأننا في عالم أصبح كقرية صغيرة ، وعيون الإمبريالية المهيمنة فيه تتربص ، ولا تنام ..
وتتشابك فيه كذلك ملايين العلوم والمعلومات ، وتتداخل فيه كل الأنظمة ..
 وما من حركة تسعى للعالمية إلا درستها العصابات العالمية بإفاضة ، ووضعت أمامها كل العوائق ، في الوقت الذي نريد فيه رفع راية الإسلام بشعارات بعيدة كل البعد عنها كعدو حقيقي ، وضد أنظمتنا وشعوبنا وللأسف ..
بل وبكل ترجل ، وعن سوء نية ، ومهما حسنت ..
وهذا الموقف الإنتحاري منا لايشك أحد في رضى هاته العصابات الصهيوماسونية عنه ، بل وفي يدها الطولى لتعميقه..:
فترفع بغربها شعارات الأمن والإستقرار والسلام ، لكنها لايخجل في أن تمد كل الحركات الإنفصالية والطائفية والثورية في عالمنا الإسلامي والعربي بكل الوقود .. 
بل ولا تخجل في استخدام الحركات الإسلاموية والتسلفية وكذا بعض الزوايا الصوفية كقنابل هدم ، وكأوراق ضاغطة على أنظمتنا المسلمة ..
وذاك لضمان زعامتها مستقبلا ، ولتزيد من تعميق هزيمتنا وإنحطاطنا على كل الواجهات ، وفي كل المجالات ، ومهما برقت مساعداتها الإقتصادية الربوية ، وحيلها الخيرية والإصلاحوية ..
...........
ولهذا فإن التنظير للمذهبية الإسلامية يعد من الخطورة بمكان ولعدة حيثيات منها :
-- عالميته وكثرة أعدائه 
-- كثرة المتطفلين عليه ومستغليه ..
ولإن أسلوب الإصلاح يبدأ أولا بنفس المفكر المصلح،كما قال الله تعالى : إن الله لايغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم : الرعد 11
ـــ فمفكر بنفس أمارة بالسوء عالم فتنة ودمار
ـــ ومفكر بنفس لوامة وإن كان مخلصا فستبقى آراؤه غير حكيمة 
ـــ وليبقى الأمل في ذلك المصلح الرباني المطمئن النفس الشفاف الروح الراجح العقل ، وقد احتوى قلبه الرحمة والخير والمحبة لكل المسلمين بل ولكل الناس ، فلا يسعى لفتنة أو تنطع ، ولا يسعى لحرب إلا دفاعا أو لضرورة شرعية . 
فلا شك في أن وسيلته إذاك ستكون ربانية الجوهر سليمة اللب بعيدة الغايات ، يفيض خيرها حتى على الكافر كما هي حقيقة الإسلام.
فذاك هو الأمل المأمول ، وإن كانت هاته صفات المهدي المنتظر عليه السلام وقد انشطر اليوم علماؤنا بين :
ـــ علماء رسميون يملي السياسي لهم الإجتهاد
ـــ علماء فتنة تملي الطموحات لهم التحركات
ـــ علماء لارأي سياسي لهم
ـــ علماء يقدمون النصيحة بكل برودة
ـــ علماء ومفكرين تسجن كتبهم المكتبات إن طبعت
ـــ أنصاف علماء متموقفين من كل من سواهم
وهكذا نلمس جليا مدى افتقار الإجتهاد الحركي للحكمة السياسية ولسياسة الحكمة معا ..
وذاك لأن العديد منا يتشبتون بالأحادية في المواضيع التي تحتمل عدة إجتهادات ، وبالأحادية في الموقف ، مناهضين لكل من يخالفهم الرأي بكل ثورة ، ولحد التكفير وكل أمراض الأنا والفتن : حتى أن من جماعاتنا التي تدعي السنية تسمى ب: جماعة التكفير والهجرة ؟.
 مما يبرز ضيق الأفق ، وكل أمراض الإنتصار للرأي ، بل وتعمد التطرف وكل المواقف المتنطعة ، والآراء الأحادية ..
في الوقت الذي نرى فيه قيام القيامة في أوربا لدراسة ظاهرة من الظواهر ـ كجنون البقر مثلا ـ فتقوم بحوث معمقة وندوات ودراسات لحد تشكيل لجن وأكاديميات دولية لإيجاد حلول لها ، نجد بعض أدعياء الإصلاح لايتعب نفسه بالتفكير مليا في موضوع اجتهاده ، ويبدي رأيه ، بل ويتشبت به ، ومهما إفتقر أفقه  ،وكأن الأمر بسيط وليس إشكالية أمة في عالم أصبح كقرية صغيرة ، وفي عالم يحاول فيها الآخر أن يبقى دوما هو المسيطر ، ولو بتدمير كل العالم الإسلامي..
ونحن تائهون بين حركة فلان وجماعة علان ..
وحركات كلها تشردم وفتن .. 
ودون مشروع حضاري ولا وحدوي جامع ...:
 والذي لن يتم دون دراسات حقا علمية ، وحقا أكاديمية. وحقا إسلامية .

مجمل القول



فالإشكالية إذن هنا إشكالية فهم ووعي واجتهاد ومنهاج وتنزيل، وهذا لايعني تحريم قيام تكثلات .. 
بل ذنوبنا في الإنتصار للرأي ، وفي التشبت بالأنا ، وفي التنطع دون مشاريع علمية متجوهرة حقا على آفاقنا القرآنية ، ولحد تعقدنا بالإسلامويات والتسلفيات  وكل عوراتها المسيئة للمسلمين وللأمة ، ولكل المذهبية الإسلامية..
 والتي من أهم فرائضها :
ــــ الدفاع بالأنفس على الإسلام لا الدفاع بالإسلام على الأنفس
ـــ الرؤيا العلمية الإسلامية القريبة من الكمال والتي لن تكون دون دراسات معمقة
مما يجعل حسن النية وحكمة البديل أساسان ، لكن غير كافيان لتقديم مشروع حضاري بإسم ديننا الحنيف..
ولهذا فإن الأمر يحتاج إلى خبراء وفقهاء ودارسين وأيضا لميزانيات ومؤسسات حقا فعالة وحقا تفعيلية  ..
وإلا فلن نخرج من هاته المآزق إلا بأيادي دامية كما حالنا  والمسلم بإسم الإسلام يساعد الكافر لهدم الدول العربية والإسلامية والمسلمين ....
وبإسم الإسلام نحارب كل أخلاق ومبادئ الإسلام وللأسف .
فأليست أزمتنا أزمة وعي وضمير ومنهاج بل وأزمة قصور حضاري ؟؟؟ 
ألسنا بحاجة لحركية إسلامية حقا أكاديمية ؟ 
وحقا وحدوية وحقا شاملة وحقا جامعة ؟
والتي لن تتم إلا بالتعبد بالإسلام كله كمشروع إنساني ومستقبلي رحيم ..
ومنقد ..:
وليس لنا وحدنا كعرب أو كمسلمين ..
بل لكل الناس ما إستطعنا..
وإلا فيا للمسخ القادم ...........
والذي بدأ وللأسف .